فصل: باب الصلاة عقيب الطهور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الصلاة عقيب الطهور

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لبلال عند صلاة الصبح‏:‏ يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال‏:‏ ما عملت عملًا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏لبلال‏)‏ هو ابن رباح المؤذن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند صلاة الصبح‏)‏ فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام لأن عادته صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان يعبر ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه بعد صلاة الفجر كما وردت بذلك الأحاديث ويدل على ذلك أن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأرجى عمل‏)‏ بلفظ أفعل التفضيل وإضافة الرجاء إلى العمل لأنه سبب الداعي إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الإسلام‏)‏ زاد مسلم في روايته منفعة عندك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإني سمعت‏)‏ زاد مسلم‏:‏ ‏(‏الليلة‏)‏ وفيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دف نعليك‏)‏ بفتح المهملة وتثقيل الفاء وضبطه المحب الطبري بالذال المعجمة قال الخليل‏:‏ دف الطائر إذا حرك جناحيه وهو قائم على رجليه‏.‏ وقال الحميدي‏:‏ الدف الحركة الخفيفة‏.‏ ووقع في رواية مسلم ‏(‏خشف نعليك‏)‏ بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وتخفيف الفاء قال أبو عبيد وغيره‏:‏ الخشف الحركة الخفيفة ووقع في رواية عند أحمد والترمذي وغيرهما خشخشة بمعجمتين مكررتين وهو بمعنى الحركة أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لم أتطهر‏)‏ بفتح الهمزة ومن مقدرة قبله صلة لأفعل التفضيل وهي ثابتة في رواية مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما كتب لي‏)‏ أي قدر وهو أعم من الفريضة والنافلة‏.‏ قال ابن التين‏:‏ إنما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر وبهذا التقدير يندفع إيراد من أورد عليه غير ما ذكر من الأعمال الصالحة ‏[‏قال الحافظ في الفتح بعد ما أورد كلام ابن التين هذا‏:‏ والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن أرجاها الأعمال المتطوع بها وإلا فالمفروضة أفضل قطعًا‏]‏‏.‏

وللحديث فوائد منها جواز الاجتهاد في توقيت العبادة والحث على الصلاة عقيب الوضوء وسؤال الشيخ عن عمل تلميذه فيحضه عليه‏.‏

واستدل به على جواز الصلاة في الأوقات المكروهة لعموم قوله ‏(‏في ساعة من ليل أو نهار‏)‏ وتعقب بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي‏.‏

 باب صلاة الاستخارة

1 - عن جابر بن عبد اللَّه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول‏:‏ إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللَّهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللَّهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به قال‏:‏ ويسمي حاجته‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلمًا‏.‏

الحديث مع كونه في صحيح البخاري ومع تصحيح الترمذي وأبي حاتم له قد ضعفه أحمد بن حنبل وقال‏:‏ إن حديث عبد الرحمن بن أبي الموالي يعني الذي أخرجه هؤلاء الجماعة من طريقه منكر في الاستخارة‏.‏

وقال ابن عدي في الكامل في ترجمة عبد الرحمن المذكور أنه أنكر عليه حديث الاستخارة قال‏:‏ وقد رواه غير واحد من الصحابة انتهى‏.‏

وقد وثق عبد الرحمن بن أبي الموالي جمهور أهل العلم كما قال العراقي وقال أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم‏:‏ لا بأس به‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن مسعود عند الطبراني قال‏:‏ ‏(‏علمنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الاستخارة قال‏:‏ إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل‏)‏‏.‏

فذكر نحو حديث الباب وفي إسناده صالح بن موسى بن إسحاق بن طلحة التيمي وهو متروك كما ذكر في التقريب وعن أبي أيوب عند الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه وفيه‏:‏ ‏(‏ثم قل اللَّهم إنك تقدر ولا أقدر‏)‏ وذكر الحديث‏.‏

وعن أبي بكر الصديق عند الترمذي في الدعوات‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أمرًا قال اللَّهم خر لي واختر لي‏)‏ وفي إسناده ضعف‏.‏

وعن أبي سعيد عند أبي يعلى الموصل بلفظ‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول‏:‏ إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل اللَّهم إني أستخيرك بعلمك‏)‏ الحديث‏.‏ وزاد في آخره‏:‏ ‏(‏لا حول ولا قوة إلا باللَّه‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده جيد‏.‏

وعن سعد بن أبي وقاص عند أحمد وأبي يعلى والبزار في مسانيدهم قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ من سعادة ابن آدم استخارته اللَّه عز وجل‏)‏ قال البزار‏:‏ ولا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن سعد ولا رواه عنه إلا ابنه محمد قال العراقي‏:‏ قد رواه البزار أيضًا من رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه نحوه وكلاهما لا يصح إسناده وأصل الحديث عند الترمذي في الرضا والسخط‏.‏

وعن ابن عباس وابن عمر عند الطبراني في الكبير قالا‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن اللَّهم إني أستخيرك‏)‏ الحديث إلى قوله ‏(‏علام الغيوب‏)‏ وفي إسناده عبد اللَّه بن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة وهو متهم بالكذب‏.‏ وعن ابن عمر حديث آخر عند الطبراني في الأوسط بنحو حديثه الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الأمور كلها‏)‏ دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه ولذلك قال صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما يعلمنا السورة من القرآن‏)‏ فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة وأنه متأكد مرغب فيه قال العراقي‏:‏ ولم أجد من قال بوجوب الاستخارة مستدلًا بتشبيه ذلك بتعليم السورة من القرآن كما استدل بعضهم على وجوب التشهد في الصلاة بقول ابن مسعود كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن‏.‏

ـ فإن قال قائل ـ إنما دل على وجوب التشهد الأمر في قوله ‏(‏فليقل التحيات للّه‏)‏ الحديث‏.‏ قلنا وهذا أيضًا فيه الأمر بقوله ‏(‏فليركع ركعتين ثم ليقل‏)‏ فإن قال الأمر في هذا تعلق بالشرط وهو قوله ‏(‏إذا هم أحدكم بالأمر‏)‏ قلنا إنما يؤمر به عند إرادة ذلك لا مطلقًا كما قال في التشهد ‏(‏إذا صلى أحدكم فليقل التحيات‏)‏ قال‏:‏ ومما يدل على عدم وجوب الاستخارة الأحاديث الصحيحة الدالة على انحصار فرض الصلاة في الخمس من قوله ‏(‏هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع‏)‏ وغير ذلك انتهى‏.‏ وفيه ما قدمنا لك في باب تحية المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليركع ركعتين‏)‏ فيه أن السنة في الاستخارة كونها ركعتين فلا تجزئ الركعة الواحدة وهل يجزئ في ذلك أن يصلي أربعًا أو أكثر بتسليمة يحتمل أن يقال يجزئ ذلك لقوله في حديث أبي أيوب‏:‏ ‏(‏ثم صل ما كتب اللَّه لك‏)‏ فهو دال على أنها لا تضر الزيادة على الركعتين ومفهوم العدد في قوله‏:‏ ‏(‏فليركع ركعتين‏)‏ ليس بحجة على قول الجمهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من غير الفريضة‏)‏ فيه أنه لا يحصل التسنن بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة والسنن الراتبة وتحية المسجد وغير ذلك من النوافل‏.‏

وقال النووي في الأذكار‏:‏ إنه يحصل التسنن بذلك وتعقب بأنه صلى اللَّه عليه وسلم إنما أمر بذلك بعد حصول الهم بالأمر فإذا صلى راتبة أو فريضة ثم هم بأمر بعد الصلاة أو في أثناء الصلاة لم يحصل بذلك الإتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة‏.‏ قال العراقي‏:‏ إن كان همه بالأمر قبل وقوع الشروع في الراتبة ونحوها ثم صلى من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة فالظاهر حصول ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ليقل‏)‏ فيه أنه لا يضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل وأنه لا يضر الفصل بكلام آخر يسير خصوصًا إن كان من آداب الدعاء لأنه أتى بثم المقتضية للتراخي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أستخيرك‏)‏ أي أطلب منك الخير أو الخيرة قال صاحب المحكم‏:‏ استخار اللَّه طلب منه الخير‏.‏ وقال صاحب النهاية‏:‏ خار اللَّه لك أي أعطاك اللَّه ما هو خير لك قال‏:‏ والخيرة بسكون الياء الاسم منه قال‏:‏ فأما بالفتح فهي الاسم من قوله اختاره اللَّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعلمك‏)‏ الباء للتعليل أي بأنك أعلم وكذا قوله بقدرتك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعاشي‏)‏ المعاش والعيشة واحد يستعملان مصدرًا واسمًا قال صاحب المحكم‏:‏ العيش الحياة قال‏:‏ والمعيش والمعاش والمعيشة ما يؤنس به انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو قال عاجل أمري‏)‏ هو شك من الراوي‏.‏

قوله ‏(‏فاصرفه عني واصرفني عنه هو طلب الأكمل من وجوه انصراف ما ليس فيه خيرة عنه ولم يكتف بسؤال صرف أحد الأمرين لأنه قد يصرف اللَّه المستخير عن ذلك الأمر بأن ينقطع طلبه له وذلك الأمر الذي ليس فيه خيرة بطلبه فربما أدركه وقد يصرف اللَّه عن المستخير ذلك الأمر ولا يصرف قلب العبد عندئذ بل يبقى متطلعًا متشوقًا إلى حصوله فلا يطيب له خاطر إلا بحصوله فلا يطمئن خاطره فإذا صرف كل منهما عن الآخر كان ذلك أكمل ولذلك قال‏:‏ واقد لي الخير حيث كان ثم أرضني به لأنه إذا قدر له الخير ولم يرض به كان منكد العيش آثمًا بعدم رضاه بما قدره اللَّه له مع كونه خيرًا له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويسمي حاجته‏)‏ أي في أثناء الدعاء عند ذكرها بالكناية عنها في قوله إن كان هذا الأمر‏.‏

والحديث يدل على مشروعية صلاة الاستخارة والدعاء عقبيها ولا أعلم في ذلك خلافًا وهل يستحب تكرار الصلاة والدعاء قال العراقي‏:‏ الظاهر الاستحباب وقد ورد في حديث تكرار الاستخارة سبعًا رواه ابن السني من حديث أنس مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه‏)‏‏.‏

قال النووي في الأذكار‏:‏ إسناده غريب فيه من لا أعرفهم‏.‏ قال العراقي‏:‏ كلهم معروفون ولكن بعضهم معروف بالضعف الشديد وهو إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك وقد ذكره في الضعفاء العقيلي وابن حبان وابن عدي والأزدي‏.‏

قال العقيلي‏:‏ يحدث عن الثقات بالبواطيل وكذا قال ابن عدي‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ شيخ كان يدور بالشام يحدث عن الثقات بالموضوعات لا يجوز ذكره إلا على سبيل القدح فيه وقد رواه الحسن بن سعيد الموصلي فقال حدثنا إبراهيم بن حبان بن النجار حدثنا أبي عن أبيه النجار عن أنس فكأنه دلسه وسماه النجار لكونه من بني النجار‏.‏

قال العراقي‏:‏ فالحديث على هذا ساقط لا حجة فيه نعم قد يستدل للتكرار بأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثًا الحديث الصحيح وهذا وإن كان المراد به تكرار الدعاء في الوقت الواحد فالدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له كالاستسقاء‏.‏ قال النووي‏:‏ ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا وإلا فلا يكون مستخيرًا للَّه بل يكون مستخيرًا لهواه وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التبرئ من العلم والقدرة وإثباتهما للَّه تعالى فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه‏.‏

 باب ما جاء في طول القيام وكثرة الركوع والسجود

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ربه‏)‏ أي من رحمة ربه وفضله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو ساجد‏)‏ الواو للحال أي أقرب حالاته من الرحمة حال كونه ساجدًا وإنما كان في السجود أقرب من سائر أحوال الصلاة وغيرها لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه والسجود غاية التواضع وترك التكبر وكسر النفس لأنها لا تأمر الرجل بالمذلة ولا ترضى بها ولا بالتواضع بل بخلاف ذلك فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد عنها فإذا بعد عنها قرب من ربه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأكثروا الدعاء‏)‏ أي في السجود لأنه حالة قرب كما تقدم وحالة القرب مقبول دعاؤها لأن السيد يحب عبده الذي يطيعه ويتواضع له ويقبل منه ما يقوله وما يسأله‏.‏

والحديث يدل على مشروعية الاستكثار من السجود ومن الدعاء فيه‏.‏ وفيه دليل لمن قال السجود أفضل من القيام وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك‏.‏

2 - وعن ثوبان قال‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد للَّه سجدة إلا رفعك اللَّه بها درجة وحط بها عنك خطيئة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

الحديث لفظه في صحيح مسلم قال يعني معدان بن أبي طلحة اليعمري‏:‏ ‏(‏لقيت ثوبان مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقلت‏:‏ أخبرني بعمل أعمله يدخلني اللَّه به الجنة أو قال بأحب الأعمال إلى اللَّه فسكت ثم سألته فسكت ثم سألته الثالثة فقال‏:‏ سألت عن ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ فذكر الحديث وهو يدل على أن كثرة السجود مرغب فيها والمراد به السجود في الصلاة وسبب الحث عليه ما تقدم في الحديث الذي قبل هذا أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو موافق لقوله تعالى ‏{‏واسجد واقترب‏}‏ كذا قال النووي‏.‏ وفيه دليل لمن يقول أن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة‏.‏

ـ وفي هذه المسألة ـ مذاهب‏:‏ أحدها‏:‏ أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة وممن قال بذلك ابن عمر‏.‏

والمذهب الثاني‏:‏ أن تطويل القيام أفضل لحديث جابر الآتي وإلى ذلك ذهب الشافعي وجماعة وهو الحق كما سيأتي‏.‏

والمذهب الثالث‏:‏ أنهما سواء وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة ولم يقض فيها بشيء‏.‏

وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل وأما في الليل فتطويل القيام إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ جزأه ويربح كثرة الركوع والسجود‏.‏

قال ابن عدي‏:‏ إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف من تطويله بالليل ‏.‏

3 - عن ربيعة بن كعب قال‏:‏ ‏(‏كنت أبيت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أتيه بوضوئه وحاجته فقال‏:‏ سلني فقلت‏:‏ أسألك مرافقتك في الجنة فقال‏:‏ أو غير ذلك فقلت‏:‏ هو ذاك فقال‏:‏ أعني على نفسك بكثرة السجود‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سلني‏)‏ فيه جواز قول الرجل لأتباعه ومن يتولى خدمته سلوني حوائجكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرافقتك‏)‏ فيه دليل على أن من الناس من يكون مع الأنبياء في الجنة‏.‏ وفيه أيضًا جواز سؤال الرتب الرفيعة التي تكبر عن السائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعني على نفسك بكثرة السجود‏)‏ فيه أن السجود من أعظم القرب التي يكون بسببها ارتفاع الدرجات عند اللَّه إلى حد لا يناله إلا المقربون وبه أيضًا استدل من قال أن السجود أفضل من القيام كما تقدم‏.‏

4 - وعن جابر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أفضل الصلاة طول القنوت‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

وفي الباب عن عبد اللَّه بن حبشي عند أبي داود والنسائي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سئل‏:‏ أي الأعمال أفضل قال‏:‏ إيمان لا شك فيه‏)‏ الحديث‏.‏ وفيه‏:‏ ‏(‏فأي الصلاة أفضل قال‏:‏ طول القنوت‏)‏ وعن أبي ذر عند أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في حديث طويل‏.‏ قال فيه‏:‏ ‏(‏فأي الصلاة أفضل قال‏:‏ طول القنوت‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طول القنوت‏)‏ هو يطلق بإزاء معان قد قدمنا ذكرها والمراد هنا طول القيام قال النووي‏:‏ باتفاق العلماء ويدل على ذلك تصريح أبي داود في حديث عبد اللَّه بن حبشي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال‏:‏ طول القيام‏)‏‏.‏

والحديث يدل على أن القيام أفضل من السجود والركوع وغيرهما وإلى ذلك ذهب جماعة منهم الشافعي كما تقدم وهو الظاهر ولا يعارض حديث الباب وما في معناه الأحاديث المتقدمة في فضل السجود لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول القيام ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام‏.‏

وأما حديث ما تقرب العبد إلى اللَّه بأفضل من سجود خفي فإنه لا يصح لإرساله كما قال العراقي ولأن في إسناده أبا بكر ابن أبي مريم وهو ضعيف وكذلك أيضًا لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده بأفضليته على القيام لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعاء‏.‏

قال العراقي‏:‏ الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا تشرع فيها الجماعة وعلى صلاة المنفرد فأما الإمام في الفرائض والنوافل فهو مأمور بالتخفيف المشروع إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء صبي ونحوه فلا بأس بالتطويل وعليه يحمل صلاته في المغرب بالأعراف كما تقدم‏.‏

5 - وعن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ ‏(‏إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليقوم ويصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له فيقول أفلا أكون عبدًا شكورًا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أبا داود‏.‏

في الباب عن أنس عند البزار وأبي يعلى والطبراني في الأوسط مثل حديث المغيرة قال العراقي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏

وعن ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط بنحوه‏.‏

وعن النعمان بن بشير عند الطبراني في الأوسط أيضًا بنحوه وفي إسناده سليمان بن الحكم وهو ضعيف‏.‏

وعن أبي جحيفة عند الطبراني في الكبير بنحوه وفي إسناده أبو قتادة عبد اللَّه بن واقد الحراني ضعفه البخاري والجمهور ووثقه ابن معين في رواية وأحمد وقال ربما أخطأ‏.‏

وعن عائشة عند البخاري‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقوم حتى تنفطر قدماه‏)‏ الحديث‏.‏ وعنها حديث آخر عند أبي داود‏:‏ ‏(‏أن أول سورة المزمل نزلت فقام أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى انتفخت أقدامهم‏)‏‏.‏

وعن سفينة عند البزار‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعبد قبل أن يموت واعتزل النساء حتى صار كأنه شن‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ترم قدماه‏)‏ الورم الانتفاخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفلا أكون عبدًا شكورًا‏)‏ فيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان ومنه قوله تعالى ‏{‏اعملوا آل داود شكرًا‏}‏‏.‏

والحديث يدل على مشروعية اجتهاد النفس في العبادة من الصلاة وغيرها ما لم يؤده ذلك إلى الملال وكانت حاله صلى اللَّه عليه وآله وسلم أكمل الأحوال فكان لا يمل من عبادة ربه بل كان في الصلاة قرة عينه وراحته كما قال في الحديث الذي رواه النسائي عن أنس ‏(‏وجعلت قرة عيني في الصلاة‏)‏ وكما قال في الحديث الذي رواه أبو داود‏:‏ ‏(‏أرحنا بها يا بلال‏)‏ ‏.‏

 باب إخفاء التطوع وجوازه جماعة

1 - عن زيد بن ثابت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن له معناه من رواية عبد اللَّه بن سعد‏.‏

حديث عبد اللَّه بن سعد الذي أشار إليه المصنف رحمه اللَّه تعالى أخرجه أيضًا الترمذي في الشمائل ولفظه قال‏:‏ ‏(‏سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد قال‏:‏ ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة‏)‏‏.‏

وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند ابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوروا بيوتكم‏)‏ وفيه انقطاع‏.‏

وعن جابر عند مسلم في أفراده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته فإن اللَّه عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيرًا‏)‏‏.‏

وعن أبي سعيد عند ابن ماجه مثل حديث جابر قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

وعن أبي هريرة عند مسلم والنسائي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة‏)‏‏.‏

وعن ابن عمر عند الشيخين وأبي داود‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا‏)‏ وفي لفظ متفق عليه‏:‏ ‏(‏صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا‏)‏‏.‏

وعن عائشة عند أحمد‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقول‏:‏ صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها عليكم قبورًا‏)‏‏.‏

وعن زيد بن خالد عند أحمد والبزار والطبراني قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

وعن الحسن بن علي عند أبي يعلى بنحو حديث زيد بن خالد وفي إسناده عبد اللَّه بن نافع وهو ضعيف‏.‏

وعن صهيب بن النعمان عند الطبراني في الكبير قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة‏)‏ وفي إسناده محمد بن مصعب وثقه أحمد بن حنبل وضعفه ابن معين وغيره‏.‏

الحديث يدل على استحباب فعل صلاة التطوع في البيوت وأن فعلها فيها أفضل من فعلها في المساجد ولو كانت المساجد فاضلة كالمسجد الحرام ومسجده صلى اللَّه عليه وآله وسلم ومسجد بيت المقدس‏.‏ وقد ورد التصريح بذلك في إحدى روايتي أبي داود لحديث زيد بن ثابت فقال فيها‏:‏ ‏(‏صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح فعلى هذا لو صلى نافلة في مسجد المدينة كانت بألف صلاة على القول بدخول النوافل في عموم الحديث وإذا صلاها في بيته كانت أفضل من ألف صلاة وهكذا حكم المسجد الحرام وبيت المقدس‏.‏

وقد استثنى أصحاب الشافعي من عموم أحاديث الباب عدة من النوافل فقالوا فعلها في غير البيت أفضل وهي ما تشرع فيها الجماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الطواف وركعتي الإحرام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا المكتوبة‏)‏ قال العراقي‏:‏ هو في حق الرجال دون النساء فصلاتهن في البيوت أفضل وإن أذن لهن في حضور بعض الجماعات وقد قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وبيوتهن خير لهن‏)‏ والمراد بالمكتوبة هنا الواجبات بأصل الشرع وهي الصلوات الخمس دون المنذورة‏.‏

قال النووي‏:‏ إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من محبطات الأعمال وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء في الحديث‏.‏

2 - وعن عتبان بن مالك أنه قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللَّه إن السيول لتحول بيني وبين مسجد قومي فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجدًا فقال‏:‏ سنفعل فلما دخل قال‏:‏ أين تريد فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فصففنا خلفه فصلى بنا ركعتين‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وقد صح التنفل جماعة من رواية ابن عباس وأنس رضي اللَّه عنهما‏.‏

حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف له ألفاظ في البخاري وغيره أحدها أنه قال‏:‏ ‏(‏صليت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه‏)‏‏.‏

وحديث أنس المشار إليه أيضًا له ألفاظ كثيرة في البخاري وغيره وأحدها أنه قال‏:‏ ‏(‏صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأمي وأم سليم خلفنا‏)‏‏.‏

الأحاديث ساقها المصنف ههنا للاستدلال بها على صلاة النوافل جماعة وهي كما ذكر وليس للمانع من ذلك متمسك يعارض به هذه الأدلة‏.‏

وفي حديث عتبان فوائد منها جواز التخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو ذلك‏.‏ ومنها جواز اتخاذ موضع معين للصلاة وأما النهي عن إيطان موضع معين من المسجد ففيه حديث رواه أبو داود وهو محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه‏.‏ وفيه تسوية الصفوف وأن عموم النهي عن إمامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو الإمام الأعظم فلا يكره وكذا من أذن له صاحب المنزل‏.‏ وفيه أنه يشرع لمن دعي من الصالحين للتبرك به الإجابة وإجابة الفاضل دعوة المفضول وغير ذلك من الفوائد‏.‏

وفي حديث ابن عباس فوائد كثيرة أيضًا ذكر بعضهم منها عشرين فائدة وهي تزيد على ذلك‏.‏ وكذلك حديث أنس له فوائد وهما يدلان على أن الصبي يسد الجناح وفي ذلك خلاف معروف‏.‏

 باب أن أفضل التطوع مثنى مثنى

فيه عن ابن عمر وعائشة وأم هانئ وقد سبق‏.‏

1 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وليس هذا بمناقض لحديثه الذي خص فيه الليل بذلك لأنه وقع جوابًا عن سؤال سائل عينه في سؤاله‏.‏

حديث ابن عمر الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب الوتر بركعة‏.‏ وحديث عائشة المشار إليه تقدم في باب الوتر بركعة أيضًا‏.‏ وحديث أم هانئ تقدم في باب الضحى‏.‏ وحديث ابن عمر المذكور في الباب قد تقدم الكلام عليه أيضًا في شرح حديثه المتقدم في باب الوتر بركعة‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عمرو بن عبسة عند أحمد بدون ذكر النهار‏.‏

وعن ابن عباس عند الطبراني وابن عدي بنحو حديث عمرو بن عبسة‏.‏

وعن عمار عند الطبراني في الكبير بنحوه وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ضعيف‏.‏

والحديث يدل على أن المستحب في صلاة تطوع الليل والنهار أن يكون مثنى مثنى إلا ما خص من ذلك أما في جانب الزيادة كحديث عائشة ‏(‏صلى أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم صلى أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن‏)‏ وأما في جانب النقصان كأحاديث الإيتار بركعة‏.‏

وقد أشار المصنف رحمه اللَّه إلى الجمع بين حديث ابن عمر هذا وحديثه الذي تقدم الاقتصار فيه على صلاة الليل بأن حديثه المتقدم وقع جوابًا لسؤال سائل وأيضًا حديثه هذا مشتمل على زيادة وقعت غير منافية فيتحتم العمل بها كما تقدم ‏.‏

2 - وعن أبي أيوب‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا قام يصلي من الليل صلى أربع ركعات لا يتكلم ولا يأمر بشيء ويسلم بين كل ركعتين‏)‏‏.‏

3 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يرقد فإذا استيقظ تسوك ثم توضأ ثم صلى ثمان ركعات يجلس في كل ركعتين ويسلم ثم يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الخامسة‏)‏‏.‏

4 - وعن المطلب ابن ربيعة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ الصلاة مثنى مثنى وتشهد وتسلم في كل ركعتين وتبأس وتمسكن وتقنع يديك وتقول اللَّهم فمن لم يفعل ذلك فهي خداج‏)‏‏.‏

رواهن ثلاثتهن أحمد‏.‏

أما حديث أبي أيوب فأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير وفي إسناده واصل بن السائب وهو ضعيف وزاد أحمد في رواية‏:‏ ‏(‏يستاك من الليل مرتين أو ثلاثًا‏)‏‏.‏

وأما حديث عائشة فيشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يحيي الليل بثماني ركعات ركوعهن كقراءتهن وسجودهن كقراءتهن ويسلم بين كل ركعتين‏)‏ وفي إسناده جنادة بن مروان اتهمه أبو حاتم‏.‏ وأما الإيتار بخمس متصلة فهو ثابت عند مسلم والترمذي والنسائي من حديثها وقد تقدم‏.‏

وأما حديث المطلب بن ربيعة فأخرجه أيضًا أبو داود قال حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ حدثنا شعبة حدثني عبد ربه بن سعيد عن أنس ابن أبي أنس عن عبد اللَّه بن نافع عن عبد اللَّه بن الحارث عن المطلب فذكره‏.‏

وقال المنذري‏:‏ أخرجه البخاري وابن ماجه‏.‏ وفي حديث ابن ماجه المطلب بن أبي وداعة وهو وهم‏.‏ وقيل هو عبد المطلب بن ربيعة وقيل الصحيح فيه ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس وأخطأ فيه شعبة في مواضع‏.‏ وقال البخاري في التاريخ‏:‏ إنه لا يصح اهـ‏.‏ ويشهد لصحته الأحاديث المذكورة في أول الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتبأس‏)‏ قال ابن رسلان‏:‏ بفتح المثناة الفوقانية وسكون الباء الموحدة وفتح الهمزة والمعنى أن تظهر الخضوع وفي بعض النسخ تبايس بفتح الباء والتاء وبعد الألف ياء تحتانية مفتوحة ومعناهما واحد‏.‏ قال في القاموس‏:‏ التباؤس التفاقر‏.‏ ويطلق أيضًا على التخشع والتضرع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتمسكن‏)‏ قال في القاموس‏:‏ تمسكن صار مسكينًا والمسكين من لا شيء له والذليل والضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتقنع يديك‏)‏ بقاف فنون فعين مهملة أي ترفعهما‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ هو بضم التاء وكسر النون قال‏:‏ والإقناع رفع اليدين في الدعاء والمسألة‏.‏ والخداج قد تقدم تفسيره‏.‏

والحديث الأول والثاني مقيدان بصلاة الليل‏.‏ والحديث الثالث مطلق وجميعها يدل على مشروعية أن تكون صلاة التطوع مثنى مثنى إلا ما خص كما تقدم وفي هذه الأحاديث فوائد‏.‏ منها مشروعية التسوك عند القيام من النوم وقد تقدم الكلام عليه‏.‏ ومنها مشروعية التمسكن والتفاقر لأن ذلك من الأسباب للإجابة‏.‏ ومنها مشروعية رفع اليدين عند الدعاء وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يرفع يديه في دعاء قط إلا في أمور مخصوصة‏.‏ قال النووي في شرح مسلم أنه وجد منها في الصحيحين ثلاثين موضعًا هذا معنى كلامه‏.‏

5 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ في كل ركعتين تسليمة‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

6 - وعن علي عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي حين تزيغ الشمس ركعتين وقبل نصف النهار أربع ركعات يجعل التسليم في آخره‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث الأول في إسناده أبو سفيان السعدي طريف بن شهاب وقد ضعفه ابن معين ولكن له شواهد قد تقدم ذكرها‏.‏

والحديث الثاني أخرجه أيضًا الترمذي وابن ماجه بألفاظ مختلفة في بعضها كما ذكر المصنف وفي بعضها أربعًا قبل الظهر وبعدها ركعتين وفي بعضها غير ذلك‏.‏

وحديث أبي سعيد يدل على ما دلت عليه أحاديث صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد تقدمت وحديث علي يدل على جواز صلاة أربع ركعات متصلة في النهار فيكون من جملة المخصصات لأحاديث صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وفيه جواز الصلاة عند الزوال وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏

 باب جواز التنفل جالسًا والجمع بين القيام والجلوس في الركعة الواحدة

1 - عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏لما بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسًا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما بدن‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ بدن بفتح الدال المشددة تبدينًا إذا أسن قال‏:‏ ومن رواه بضم الدال المخففة فليس له معنى هنا لأن معناه كثرة اللحم وهو خلاف صفته صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ روايتنا في مسلم عن جمهورهم بدن بالضم وعن العذري بالتشديد وأراه إصلاحًا قال‏:‏ ولا ينكر اللفظان في حقه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد قالت عائشة‏:‏ ‏(‏فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع‏)‏ كما في صحيح مسلم‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ولحم‏)‏ وفي آخر‏:‏ ‏(‏أسن وكثر لحمه‏)‏‏.‏

والحديث يدل على جواز التنفل قاعدًا مع القدرة على القيام قال النووي‏:‏ وهو إجماع العلماء‏.‏

2 - وعن حفصة قالت‏:‏ ‏(‏ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى في سبحته قاعدًا حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعدًا وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سبحته‏)‏ بضم السين المهملة وسكون الباء الموحدة أي نافلته‏.‏

والحديث يدل على جواز صلاة التطوع من قعود وهو مجمع عليه كما تقدم‏.‏ وفيه استحباب ترتيل القراءة والمراد بقولها حتى تكون أطول من أطول منها أن مدة قراءته لها أطول من قراءة سورة أخرى أطول منها إذا قرئت غير مرتلة وإلا فلا يمكن أن تكون السورة نفسها أطول من أطول منها من غير تقييد بالترتيل والإسراع والتقييد بقبل وفاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعام لا ينافي قول عائشة في الحديث الأول فلما بدن وثقل كان أكثر صلاته جالسًا لاحتمال أن يكون صلى اللَّه عليه وآله وسلم بدن وثقل قبل موته بمقدار عام‏.‏

وكذلك لا ينافي حديثها الآتي أنه صلى قاعدًا حين أسن ولو فرض أنه صلى جالسًا قبل وفاته بأكثر من عام فلا تنافي أيضًا لأن حفصة إنما نفت رؤيتها لا وقوع ذلك‏.‏

3 - وعن عمران بن حصين أنه‏:‏ ‏(‏سأل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا قال‏:‏ إن صلى قائمًا فهو أفضل ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد‏)‏‏.‏

ورواه الجماعة إلا مسلمًا‏.‏

وفي الباب عن عبد اللَّه بن السائب عند الطبراني في الكبير قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم‏)‏ وفي إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عباس عند ابن عدي في الكامل مثل حديث عبد اللَّه بن السائب وفي إسناده حماد بن يحيى‏.‏ وقد اختلف فيه‏.‏

وعن ابن عمر عند البزار في مسنده والطبراني وابن أبي شيبة بنحوه‏.‏ وعن المطلب بن أبي وداعة بنحوه‏.‏ وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف‏.‏ وعن عائشة عند النسائي بنحوه‏.‏

والحديث يدل على جواز التنفل من قعود واضطجاع وهو المراد بقوله‏:‏ ‏(‏ومن صلى نائمًا‏)‏ قال الخطابي في معالم السنن‏:‏ لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائمًا كما رخصوا فيها قاعدًا فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم تكن من بعض الرواة مدرجة في الحديث قياسًا على صلاة القاعد أو اعتبارًا بصلاة المريض نائمًا إذا لم يقدر على القعود دلت على جواز تطوع القادر على القعود مضطجعًا قال‏:‏ ولا أعلم أني سمعت نائمًا إلا في هذا الحديث‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ وأما قوله ‏(‏من صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد‏)‏ فلا يصح معناه عند العلماء لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء قال‏:‏ وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث وتعقب ذلك العراقي فقال‏:‏ أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعًا للقادر فمردود فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة‏.‏

وعند المالكية ثلاثة أوجه حكاها القاضي عياض في الإكمال‏.‏ أحدها الجواز مطلقًا في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض‏.‏ وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعي مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق انتهى‏.‏

وقد اختلف شراح الحديث في الحديث هل هو محمول على التطوع أو على الفرض في حق غير القادر فحمله الخطابي على الثاني وهو محمل ضعيف لأن المريض المفترض الذي أتى بما يجب عليه من القعود والاضطجاع يكتب له جميع الأجر لا نصفه‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ لا خلاف بين العلماء أنه لا يقال لمن لا يقدر على الشيء لك نصف أجر القادر عليه بل الآثار الثابتة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن من منعه اللَّه وحبسه عن عمله بمرض أو غيره يكتب له أجر عمله وهو صحيح اهـ‏.‏ وحمله سفيان الثوري وابن الماجشون على التطوع وحكاه النووي عن الجمهور وقال‏:‏ إنه يتعين حمل الحديث عليه وحكى الترمذي عن سفيان الثوري أنه قال‏:‏ إن تنصيف الأجر إنما هو للصحيح فأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسًا فإنه مثل أجر القائم‏.‏

4 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا وليلًا طويلًا قاعدًا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

5 - وعن عائشة أيضًا‏:‏ ‏(‏أنها لم تر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي صلاة الليل قاعدًا قط حتى أسن وكان يقرأ قاعدًا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوًا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وزادوا إلا ابن ماجه‏:‏ ‏(‏ثم يفعل في الركعة الثانية كذلك‏)‏‏.‏

الحديث الأول يدل على أن المشروع لمن قرأ قائمًا أن يركع ويسجد من قيام ومن قرأ قاعدًا أن يركع ويسجد من قعود‏.‏

والحديث الثاني يدل على جواز الركوع من قيام لمن قرأ قاعدًا ويجمع بين الحديثين بحمل قولها‏:‏ ‏(‏وكان إذا قرأ وهو قائم وإذا قرأ قاعدًا‏)‏ في الحديث الأول على أن المراد جميع القراءة بمعنى أنه لا يفرغ من القراءة قاعدًا فيقوم للركوع والسجود ولا يفرغ منها قائمًا فيقعد للركوع والسجود فأما إذا افتتح الصلاة قائمًا ثم قرأ بعض القراءة جاز له أن يقعد لتمامها ويركع ويسجد من قعود وكذا إذا افتتح الصلاة قاعدًا ثم قرأ بعض القراءة جاز له أن يقوم لتمامها ويركع ويسجد من قيام كما في الحديث الثاني‏.‏

ويشكل على هذا الجمع ما ثبت في بعض طرق الحديث الأول عند مسلم من حديث عائشة بلفظ‏:‏ ‏(‏فإذا افتتح الصلاة قائمًا ركع قائمًا وإذا افتتح الصلاة قاعدًا ركع قاعدًا‏)‏ قال العراقي‏:‏ فيحمل على أنه كان يفعل مرة كذا ومرة كذا فكان مرة يفتتح قاعدًا ويتم قراءته قاعدًا ويركع قاعدًا وكان مرة يفتتح قاعدًا ويقرأ بعض قراءته قاعدًا وبعضها قائمًا ويركع قائمًا فإن لفظ كان لا يقتضي المداومة‏.‏ وقد جاء في رواية علقمة عن عائشة عند مسلم ما يقتضي أنه يفتتح قاعدًا ويقرأ قاعدًا ثم يقوم فيركع ولكن الظاهر أن هذا في الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر وهو جالس‏.‏

وقد جاء التصريح به عند مسلم في حديث أخر من رواية أبي سلمة عنها وفيه‏:‏ ‏(‏ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع‏)‏‏.‏

والحديثان يدلان على جواز صلاة التطوع من قعود‏.‏

والحديث الثاني يدل على أنه يجوز فعل بعض الصلاة من قعود وبعضها من قيام وبعض الركعة من قعود وبعضها من قيام‏.‏

قال العراقي‏:‏ وهو كذلك سواء قام ثم قعد أو قعد ثم قام وهو قول جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وحكاه النووي عن عامة العلماء‏.‏ وحكى عن بعض السلف منعه قال‏:‏ وهو غلط‏.‏ وحكى القاضي عياض عن أبي يوسف ومحمد في آخرين كراهة القعود بعد القيام ومنع أشهب من المالكية الجلوس بعد أن ينوي القيام وجوزه ابن القاسم والجمهور‏.‏

6 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي متربعًا‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني ‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي وابن حبان والحاكم قال النسائي‏:‏ ما أعلم أحدًا رواه غير أبي داود الجعفري ولا أحسبه إلا خطأ‏.‏ قال الحافظ‏:‏ قد رواه ابن خزيمة والبيهقي من طريق محمد بن سعيد بن الأصبهاني بمتابعة أبي داود فظهر أنه لا خطأ فيه‏.‏ وروى البيهقي من طريق ابن عيينة عن ابن عجلان عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير عن أبيه‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدعو هكذا ووضع يديه على ركبتيه وهو متربع جالس‏)‏ ورواه البيهقي عن حميد‏:‏ ‏(‏رأيت أنسًا يصلي متربعًا على فراشه‏)‏ وعلقه البخاري‏.‏

والحديث يدل على أن المستحب لمن صلى قاعدًا أن يتربع وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وهو أحد القولين للشافعي وذهب الشافعي في أحد قوليه أنه يجلس مفترشًا كالجلوس بين السجدتين وحكى صاحب النهاية عن بعض المصنفين أنه يجلس متوركًا‏.‏

وقال القاضي حسين‏:‏ من الشافعية أنه يجلس على فخذه اليسرى وينصب ركبته اليمنى كجلسة القارئ بين يدي المقرئ وهذا الخلاف إنما هو في الأفضل وقد وقع الاتفاق على أنه يجوز له أن يقعد على أي صفة شاء من القعود لما في حديثي عائشة المتقدمين من الإطلاق وما في حديث عمران بن حصين المتقدم من العموم‏.‏

 باب النهي عن التطوع بعد الإقامة

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏إلا التي أقيمت‏)‏‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني في الأفراد مثل حديث أبي هريرة قال العراقي‏:‏ وإسناده حسن‏.‏ وعن جابر عند ابن عدي في الكامل مثله وفي إسناده عبد اللَّه ابن ميمون القداح قال البخاري‏:‏ ذاهب الحديث‏.‏

والحديث يدل على أنه لا يجوز الشروع في النافلة عند إقامة الصلاة من غير فرق بين ركعتي الفجر وغيرهما وقد اختلف الصحابة والتابعون ومن بعدهم في ذلك على تسعة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ الكراهة وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد اللَّه بن عمر على خلاف عنه في ذلك وأبو هريرة ومن التابعين عروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومسلم بن عقيل وسعيد بن جبير‏.‏ ومن الأئمة سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن جرير هكذا أطلق الترمذي الرواية عن الثوري وروى عنه ابن عبد البر والنووي تفصيلًا وهو أنه إذا خشي فوت ركعة من صلاة الفجر دخل معهم وترك سنة الفجر وإلا صلاها وسيأتي‏.‏

القول الثاني‏:‏ أنه لا يجوز صلاة شيء من النوافل إذا كانت المكتوبة قد قامت من غير فرق بين ركعتي الفجر وغيرهما‏.‏ قاله ابن عبد البر في التمهيد‏.‏

القول الثالث‏:‏ أنه لا بأس بصلاة سنة الصبح والإمام في الفريضة حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود ومسروق والحسن البصري ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي سليمان وهو قول الحسن بن حي ففرق هؤلاء بين سنة الفجر وغيره واستدلوا بما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الصبح‏)‏‏.‏

وأجيب عن ذلك بأن البيهقي قال‏:‏ هذه الزيادة لا أصل لها وفي إسنادها حجاج بن نصر وعباد بن كثير وهما ضعيفان على أنه قد روى البيهقي عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قيل‏:‏ يا رسول اللَّه ولا ركعتي الفجر قال‏:‏ ولا ركعتي الفجر‏)‏ وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وهو متكلم فيه وقد وثقه ابن حبان واحتج به في صحيحه‏.‏

القول الرابع‏:‏ التفرقة بين أن يكون في المسجد أو خارجه وبين أن يخاف فوت الركعة الأولى مع الإمام أو لا‏.‏ وهو قول مالك فقال‏:‏ إذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع الإمام ولا يركعهما يعني ركعتي الفجر وإن لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام ركعة فليركع خارج المسجد وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى مع الإمام فليدخل وليصل معه‏.‏

القول الخامس‏:‏ أنه إن خشي فوت الركعتين معًا وأنه لا يدرك الإمام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه وإلا فيركعهما يعني ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الإمام وهو قول أبي حنيفة وأصحابه كما حكاه ابن عبد البر وحكى عنه أيضًا نحو قول مالك وهو الذي حكاه الخطابي وهو موافق لما حكاه عنه أصحابه‏.‏ وحكى النووي عنه مثل قول الأوزاعي الآتي ذكره‏.‏

القول السادس‏:‏ أنه يركعهما في المسجد إلا أنه يخاف فوت الركعة الأخيرة فأما الركعة الأولى فليركع وإن فاتته وهو قول الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وحكاه النووي عن أبي حنيفة وأصحابه‏.‏

القول السابع‏:‏ يركعهما في المسجد وغيره إلا إذا خاف فوت الركعة الأولى وهو قول سفيان الثوري حكى ذلك عنه ابن عبد البر وهو مخالف لما رواه الترمذي عنه‏.‏

القول الثامن‏:‏ أنه يصليهما وإن فاتته صلاة الإمام إذا كان الوقت واسعًا قاله ابن الجلاب من المالكية‏.‏

القول التاسع‏:‏ أنه إذا سمع الإقامة لم يحل له الدخول في ركعتي الفجر ولا في غيرهما من النوافل سواء كان في المسجد أو خارجه فإن فعل فقد عصى وهو قول أهل الظاهر ونقله ابن حزم عن الشافعي وعن جمهور السلف وكذا قال الخطابي وحكى الكراهة عن الشافعي وأحمد‏.‏

وحكى القرطبي في المفهم عن أبي هريرة وأهل الظاهر أنها لا تنعقد صلاة تطوع في وقت إقامة الفريضة وهذا القول هو الظاهر إن كان المراد بإقامة الصلاة الإقامة التي يقولها المؤذن عند إرادة الصلاة وهو المعنى المتعارف‏.‏ قال العراقي‏:‏ وهو المتبادر إلى الأذهان من هذا الحديث‏.‏

والأحاديث المذكورة في شرح الحديث الذي بعد هذا تدل على ذلك لا إذا كان المراد بإقامة الصلاة فعلها كما هو المعنى الحقيقي‏.‏ ومنه قوله تعالى ‏{‏الذين يقيمون الصلاة‏}‏ فإنه لا كراهة في فعل النافلة عند إقامة المؤذن قبل الشروع في الصلاة وإذا كان المراد المعنى الأول فهل المراد به الفراغ من الإقامة لأنه حينئذ يشرع في فعل الصلاة أو المراد شروع المؤذن في الإقامة‏.‏ قال العراقي‏:‏ يحتمل أن يراد كل من الأمرين والظاهر أن المراد شروعه في الإقامة ليتهيأ المأمومون لإدراك التحريم مع الإمام‏.‏ ومما يدل على ذلك قوله في حديث أبي موسى عند الطبراني‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا صلى ركعتي الفجر حين أخذ المؤذن يقيم‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده جيد ومثله حديث ابن عباس الآتي قوله ‏(‏فلا صلاة‏)‏ يحتمل أن يتوجه النفي إلى الصحة أو إلى الكمال والظاهر توجهه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الحقيقة وقد قدمنا الكلام في ذلك فلا تنعقد صلاة التطوع بعد إقامة الصلاة المكتوبة كما تقدم عن أبي هريرة وأهل الظاهر‏.‏

قال العراقي‏:‏ إن قوله ‏(‏فلا صلاة‏)‏ يحتمل أن يراد فلا يشرع حينئذ في صلاة عند إقامة الصلاة ويحتمل أن يراد فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة بل يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي يحتمل كلًا من الأمرين وقد بالغ أهل الظاهر فقالوا‏:‏ إذا دخل في ركعتي الفجر أو غيرهما من النوافل فأقيمت صلاة الفريضة بطلت الركعتان ولا فائدة له في أن يسلم منهما ولو لم يبق عليه منهما غير السلام بل يدخل كما هو بابتداء التكبير في صلاة الفريضة فإذا أتم الفريضة فإن شاء ركعهما وإن شاء لم يركعهما قال‏:‏ وهذا غلو منهم في صورة ما إذا لم يبق عليه غير السلام فليت شعري أيهما أطول زمنًا مدة السلام أو مدة إقامة الصلاة بل يمكنه أن يتهيأ بعد السلام لتحصيل أكمل الأحوال في الإقتداء قبل تمام الإقامة نعم قال الشيخ أبو حامد من الشافعية‏:‏ أن الأفضل خروجه من النافلة إذا أداه إتمامها إلى فوات فضيلة التحريم وهذا واضح انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا المكتوبة‏)‏ الألف واللام ليست لعموم المكتوبات وإنما هي راجعة إلى الصلاة التي أقيمت وقد ورد التصريح بذلك في رواية لأحمد بلفظ‏:‏ ‏(‏فلا صلاة إلا المكتوبة التي أقيمت‏)‏ وكذلك في رواية لأبي هريرة ذكرها ابن عبد البر في التمهيد وكما ذكره المصنف في حديث الباب‏.‏

2 - وعن عبد اللَّه بن مالك بن بحينة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأى رجلًا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لاث به الناس فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ الصبح أربعًا الصبح أربعًا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي الباب عن عبد اللَّه بن سرجس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الصبح فصلى ركعتين قبل أن يدخل في الصلاة فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال له‏:‏ يا فلان بأي صلاتيك اعتددت بالتي صليت وحدك أو بالتي صليت معنا‏)‏‏.‏

وعن ابن عباس عند أبي داود الطيالسي قال‏:‏ ‏(‏كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال‏:‏ أتصلي الصبح أربعًا‏)‏‏.‏

ورواه أيضًا البيهقي والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال إنه على شرط الشيخين والطبراني‏.‏

وعن أنس عند البزار أنه قال‏:‏ ‏(‏خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أقيمت الصلاة فرأى ناسًا يصلون ركعتي الفجر فقال‏:‏ صلاتان معًا ونهى أن تصليا إذا أقيمت الصلاة‏)‏‏.‏ وأخرجه مالك في الموطأ‏.‏

وعن زيد بن ثابت عند الطبراني في الأوسط قال‏:‏ ‏(‏رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلًا يصلي ركعتي الفجر وبلال يقيم الصلاة فقال‏:‏ أصلاتان معًا‏)‏ وفي إسناده عبد المنعم بن بشير الأنصاري وقد ضعفه ابن معين وابن حبان‏.‏

وعن أبي موسى عند الطبراني في الكبير‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأى رجلًا يصلي ركعتي الغداة حين أخذ المؤذن يقيم فغمز النبي صلى اللَّه عليه وسلم منكبه وقال‏:‏ ألا كان هذا قبل هذا‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده جيد‏.‏

وعن عائشة عند ابن البر في التمهيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خرج حين أقيمت صلاة الصبح فرأى ناسًا يصلون فقال‏:‏ أصلاتان معًا‏)‏ وفي إسناده شريك بن عبد اللَّه وقد اختلف عليه في وصله وإرساله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لاث به الناس‏)‏ أي اختلطوا به والتفوا عليه‏.‏ قال في القاموس‏:‏ والالتياث الاختلاط والالتفاف‏.‏

والحديث يدل على كراهة صلاة سنة الفجر عند إقامة الصلاة المكتوبة وقد تقدم بسط الخلاف في ذلك في شرح الحديث الذي قبله‏.‏

ـ فإن قيل ـ قد روى ابن ماجه من حديث علي عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي الركعتين عند الإقامة‏)‏ فكيف الجمع بينه وبين أحاديث الباب فقيل إن ذلك خاص بالإمام وقيل بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم والأولى أن يقال إن في إسناد الحديث الحارث الأعور وهو ضعيف كما علم بل قد رمي بالكذب فلا حاجة إلى تكلف الجمع‏.‏